الثلاثاء، 31 يناير 2012

دور اللون في النحت الملون

تمهيد:
             
                تدور هذه المشاركة حول رؤية:
الفنان/ علي الصهبي  
                                                  لدور اللون في أعماله النحتية الملونة :-

دور اللون في النحت الملون
                                               
       اشتملت أعمالي النحتية الملونة على قدرة اللون على التحكم في الصفات الظاهرية للخامة، ليصبح اللون هو الملمس بدلا من سطح الخامة، مما يتيح صياغة تشكيلات نحتية ملونة، وبحرية تامة لا تقيدها الصفات المعروفة مسبقًا للخامة المستخدمة، وهو ما يمثل ظاهرة متفردة في تاريخ الفن كله لم يفتح ذراعيه لها سوى النحت المعاصر.
       وفيما يساعد توظيف اللون الواحد على إصباغ الشكل العام على العمل النحتي الملون، ومنحه وحدة في الشكل، فإن إثراء التكوين بدرجات مختلفة من اللون نفسه يزيد من فاعلية هذا الربط الجمالي لعناصر التشكيل النحتي.
أما استخدام أكثر من لون في أعمالي النحتية الملونة فيؤدي إلى فصل العناصر التي يتكون منها التكوين، وبوسع اللون، أيضًا، فصل تلك العناصر التي يتركب منها العمل إلى الحد الذي تبدو معه هذه العناصر وكأنها وحدات مستقلة، وهو ما يمكن، أيضًا، الاستفادة منه، وذلك بتعزيز تناقضات الشكل بعمل تنافرات لونية متوازية من الألوان بدرجاتها المختلفة.
       ويمكن أيضًا الاستفادة من الألوان لإبراز القيمة البعدية للألوان من حيث التأثير الأفقي للألوان المنسوب إلى المؤثرات النظرية البصرية المستخدمة في التصوير، فتبدو الأشياء البعيدة قريبة، والعكس.
       كما استخدمت اللون كذلك في أعمالي النحتية الملونة كقيمة تعبيرية تساعد على إبراز وتأكيد القوة التعبيرية للعمل النحتي الملون من خلال تأثير اللون على كل من الكتلة والحجم والفراغ النحتي، وهو ما ساعد أيضًا على استخدامي للون كامتداد للقوة التعبيرية للشكل والحجم والفراغ.
     وسعيت في أعمالي النحتية الملونة إلى الاستفادة باللون لعمل تأثيرات ملمسية متنوعة للتأكيد على السطح وإبراز الإحساس بالظل والضوء على العمل النحتي الملون، ولزيادة امتداد القوة التعبيرية للشكل النحتي الملون.
       وكان استخدام اللون، أيضًا، في أعمالي النحتية الملونة من أجل تدعيم الإحساس بالغرابة والغموض في التشكيل النحتي الملون.
       كما استخدمت اللون، أيضًا، في أعمالي النحتية الملونة كنظام رياضي صارم بالأشكال النحتية المتسلسلة والملونة، وقد اعتمد هذا النظام الرياضي على تكرار الأشكال والألوان بنسب ثابتة على هيئة متوالية رياضية تنبع من التفكير العقلي الرياضي، وذلك بوضع قانون أو نظام رياضي يحسب ويتحكم من خلاله في علاقة الجزء بالكل من حيث الشكل واللون، ويكون هذا النظام بمثابة عامل أساسي لوحدة العلاقات في التكوين، ولا تحيد عنه، إذ تكون بمثابة خطوط عمل محسوبة تساهم في حل مشاكل التكوين رياضيًّا.
       وقد استخدمت اللون كذلك في أعمالي النحتية الملونة لإظهار التناقض بين الجزء الداخلي والجزء الخارجي عن طريق التلوين، مما أضفى حيوية على الشكل النحتي الملون، الأمر الذي أدى إلى التأكيد على السطح الداخلي للعمل النحتي الملون.
       وكان لتعدد الخامات النحتية المستخدمة في النحت الملون، مثل: الخشب، والنحاس، والبوليستر الملون، والبوليستر الممزوج بالألوان، أثره في تنوع أشكال الفراغ من ناحية، وفي معالجة سطوح الخامات من ناحية أخرى، وذلك لأن لكل خامة إمكاناتها الشكلية والتعبيرية. ومن هنا فقد ظهرت معالجات خاصة، انتشرت على سطح الخشب لتعميق خصائص اللون الطبيعي أو إبرازها، وكذلك فإن استخدام النحاس شديد اللمعان ينتج عنه انعكاس الضوء على سطح العمل النحتي، فيظهر بريق اللون الذي يساعد على وجود تأثير مزدوج للشكل الحقيقي والعاكس أضيف إلى ذلك أن استخدام اللون في الأشكال النحتية بخامة البوليستر سواء كان ذلك عن طريق التلوين أو مزج الألوان، مما يوحد العمل النحتي، كما يؤكد على السطح الداخلي لهذا العمل.
       يمكن توظيف اللون الواحد على سطح البوليستر في الأعمال النحتية الملونة في توحيد العمل النحتي، وربط عناصره من أجل استغلال الانعكاسات الضوئية الساقطة على العمل في تكوين درجات لونية مختلفة من اللون نفسه نتيجة لسقوط الضوء، وانعكاسه على سطح العمل النحتي، وكذلك الإحساس المستمر بالظل والضوء الناتج عن اختلاف لوني الخامة الفاتحة والداكنة الأمر الذي أثرى التكوين النحتي الملون بدرجات لونية من اللون نفسه.
    يمكن توظيف اللون الواحد الممزوج بالبوليستر بعد صقله لتوحيد العمل النحتي، والتأكيد على أهمية اللون في الشكل النحتي الملون من خلال سقوط الضوء وانعكاسه بدرجات لونية مختلفة، تساعد على صياغة وتشكيل الشكل من أجل توحيد وربط عناصره وأجزائه في الشكل النحتي الملون، وصياغة الشكل العام للكتل التي يتضمنها العمل النحتي وسطوحها في وحدة واحدة، وكذلك زيادة عناصر الشكل النحتي فتزداد أواصر الوحدة بين عناصره، وما استتبع ذلك من ثبات اللون من أجل استغلال الانعكاسات الضوئية على العمل النحتي في تكوين درجات لونية مختلفة من اللون نفسه، فيتحدد الظل بلون متدرج، الأمر الذي أثرى القيمة اللونية للعمل النحتي الملون، وكذلك الإحساس المستمر بالظل والضوء على سطح العمل النحتي الناتج عن اختلاف لوني الخامة الفاتحة والغامقة، بالإضافة إلى الإحساس بالملمس، وتأكيده على سطح العمل النحتي.
       ومن المعلوم أن الضوء في أغلب الأعمال النحتية يكون ساقطًا على الأشكال النحتية وسطوحها من الخارج لإبراز الإحساس بالظل والضوء على العمل النحتي، في حين نجد أن الضوء في هذه التراكيب النحتية الملونة يكون ناتجًا من داخل العمل النحتي إلى خارجه لإضفاء "نورانية" على الشكل النحتي من الداخل إلى الخارج نتيجة للتلوين، بالإضافة إلى سقوط الضوء الطبيعي على الشكل النحتي من الخارج، الأمر الذي أدى إلى الإحساس بالغرابة والغموض في العمل النحتي الملون.
       الكثير من الخامات النحتية تحوي ألوانًا طبيعية تصبح جزءًا مكملا من القطعة النحتية التي تم عملها من هذه الخامة، ومن المحتمل أن يختار النحات خامة طبيعية معينة ليحقق أشكالا خاصة منها، وهكذا فإنه من المحتمل أن يضطر إلى قبول اللون الطبيعي لهذه الخامة.
       وإذا ما اعترف الفنان وسلم بهذه القيود التي تحده فمن الممكن أن يوافق ويلائم بين التصميم واللون فينتفع به، فالعديد من الخامات يمكن أن تصنع من خلال العديد من المعالجات الخاصة بها، لتتنوع التأثيرات اللونية، فسطح الخشب يمكن أن يأخذ صبغات ومعالجات تنشر على سطحه لتعميق وإبراز اللون الطبيعي.
       إن سطح البرونز، كذلك، يمكن أن يأخذ باتينه (أثر الزمن على العمل النحتي) قاتمة عن طريق تسخينه ومعالجته بالكيماويات ليكتسب قتامة بشكل دائم ومستمر، في حين يمكن صقل سطح البرونز ليعطي لمعانًا ذا تأثير مختلف عن السطح غير المصقول للخامة نفسها، الأمر الذي يؤدي إلى انعكاسات السطح المصقول التي تصبح جزءًا من اللون الطبيعي للخامة.
       فسطح البرونز المصقول له بريقه، ويمنحنا شعورًا بمعدن جديد لم يفقده الرجوع إلى ألوان الآثار القديمة ببريقه، فمن الممكن أن ينقل لنا البرونز المصقول ظواهر الانبثاق الضوئي من أجسامنا، حيث إن الانعكاس يثري العمل النحتي، وبالتالي فالمعدن المطلي هو رمز حداثته، ويقترب من المعنى الحقيقي للأشياء.
       ونظرًا لصقل سطح الخامة لإبراز اللون الطبيعي الواحد لها، فقد ساعد ذلك على انعكاس الضوء على سطح الخامة المصقولة انعكاسًا منتظمًا، فاكتسب الشكل النحتي لمعانًا، مما ساعد على إخفاء الضوء على سطح العمل النحتي الملون.
       وتتسم الرسومات النحتية في الفراغ على الخط المبني عليه الشكل النحتي الملون، وقد احتل هذا الخط في الفراغ قضية هامة بواسطة هذه الخطوط المظللة التي أصبحت جزءًا مكملا للعمل النحتي، وكذلك اتساع حجم الفراغ إلى حد أن أصبح حجم الفراغ أكبر من حجم الكتلة النحتية بالإضافة إلى ظهور التضاد بين الأشكال المحدبة والمقعرة، وهذا التضاد يهب الأعمال النحتية الملونة مثل البرونز المصقول حيوية فوق العادة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق